Enlarge قديسون من الكنيسة
 

تعيّد الكنيسة تذكار القديسين ...

 
 
1    قديسون التقوا المسيح

 

القديس ضوميط الشهيد ( 7 آب). وثني فارسي ووزير في البلاط الملكي، عاش في الجيل الرابع، وكانت مهمته اضطهاد المسيحيين ولاسيما رجال الاكليروس. التقى يسوع المسيح عندما اصيب بداء المفاصل، ورجع الى نفسه، الى اعماق ضميره، حيث الله يسمع صوته للانسان. فاعتبر ان داءه قصاص الهي لاضطهاد المؤمنين بالمسيح. طلب المعمودية وهجر بلاد فارس وجاء الى ناصيبين في منطقة سوريا حيث الجماعة المسيحية السريانية. ثم ترهّب وسيم شماساً، ورفض درجة الكهنوت تكفيراً عن اضطهاده للكهنة، وراح يعيش في مغارة حيث تبعه الناس وكان يشفيهم بصلاته. امر الملك يوليانوس برجمه وسدّ باب المغارة عليه فمات فيها سنة 360.

القديس عبد الاحد – Dominique ( 8 آب) كاهن اسباني عاش في القرن الثاني عشر، اغواه يسوع المسيح واجتذبه، فراح يغوي الناس ويجتذبهم الى المسيح بوسيلتين الكرازة بالانجيل وحياة الفقر الانجيلي. وعليهما ارسى الرهبانية التي اسسها، والمعروفة برهبانية الواعظين اوالدومينيكان. مات في 6 آب 1221 تحت وطأة العمل والتقشف عن 51 سنة من العمر.

القديس الشهيد لورنسيوس ( 10 آب)، شاب  اسباني وطالب جامعي، اصبح رئيس شمامسة في روما على عهد البابا سيكستوس الثاني القديس الشهيد الذي قُطع رأسه في 6 آب 258 بامر من فاليريانوس الملك. اوكلت اليه بحكم رتبته العناية بالفقراء والايتام والمرضى, سجن مع البابا سيكستوس ومسيحيين آخرين في احدى دياميس روما، حيث استشهد البابا قبله بثلاثة ايام. وفيما كان يناجيه وهو مساق الى القتل: " لقد وزعت كنوزك يا ابي على الفقراء"، قبض عليه الجنود وشكوه للملك انه سارق الكنوز. فاستحضره الملك فاليريانوس وامره بتسليم الكنوز المالية المسروقة. فطلب مهلة ثلاثة ايام، فمضى وجمع كل من كانت الكنيسة تتصدق عليهم من عميان وعرج ومشوهين وفقراء واحضرهم امام الملك وقال: "هذه هي كنوزنا ايها الملك، لان الرحمة والصدقة على هؤلاء تجعل لنا كنوزاً في السماء لا تفنى". فاغتاظ الملك وانزل به اشد العذابات واحرقه بالنار سنة 259.

       القديسة كلارا ( 13 آب) ابنة عائلة غنية وشريفة في اسيزي. اجتذبها الى المسيح بعمر 18 سنة فرنسيس الاسيزي، فكرست ذاتها لله في حياة العزلة والفقر يوم احد الشعانين سنة 1212. كانت تعرّف بنفسها انها " نبتة القديس فرنسيس الصغيرة". وزعت على الفقراء كل ثروتها الوالدية، وعاشت في الاماتة والتقشف، تمشي حافية وتنام على الحضيض. تصوم كل ايام الاسبوع ما عدا الاحد. وفي صومي الميلاد والكبير يقتصر طعامها على الماء والخبز فقط. كانت تستمد قوّتها من القربان المقدس، وبه ردّت عن الدير هجوم عساكر البرابرة.

   
2 انتقال العذراء مريم الى السماء

 

تحتفل الكنيسة في 15 آب بعيد انتقال السيدة العذراء الى السماء بنفسها وجسدها. ونحن نتأمل في اسس العقيدة وثمارها.

أ. العقيدة واسسها

 

الانتقال هو تذكار موت مريم ام يسوع الاله، المعروف، بنياحها" " نياح" لفظة سريانية تعني راحة الموت. الله ينيّح الانسان اي يريحه بالموت. صلاة المرافقة للميت هي ابتهال الى الله لكي يريحه في مشاهدة وجهه القدوس في سعادة السماء، وينجيه من العذابات.

 وهو عيد انتقال مريم ام الاله بنفسها وجسدها الى السماء. يخبر التقليد ان عند نياح مريم اجتمع الرسل بوحي الهي لوداعها، كما نصلي في حساي قداس العيد ( الشحيمة المارونية): اجتمعوا من كل اقطار الارض حول جثمانها: سمعان-بطرس من روما، يوحنا من افسس، توما من الهند، اندراوس من بلاد اصفهان ( ايران)، يعقوب من القدس، يعقوب بن حلفى من سروج، تادي من الرها ( اورفا- تركيا)، برتلماوس من ارمينيا، سمعان الغيور من قبرص، يهوذا من كيليكيا. الاخرون وصلوا بعد وفاتها، ولما توجهوا الى القبر للتبرك من حثمانها، لم يجدوه. هذا هو الحدث التاريخي.

كانت الجماعة المسيحية الاولى تعيّد انتقال العذراء مريم بنفسها وجسدها الى السماء. لكن العقيدة الايمانية ترقى الى سنة 1950 عندما اعلنها البابا بيوس الثاني عشر بالدستور الرسولي الصادر في اول تشرين الثاني 1950 وعنوانه " Munificentissimus Deus" ( الله الغني بالجودة): " ان مريم البريئة من دنس الخطيئة، وام الله الدائمة البتولية وشريكة ابنها في الفداء، بعد نهاية حياتها على الارض، نقلت بجسدها ونفسها الى المجد السماوي,

اما اسس العقيدة فاربعة:

1) الحبل البريء من دنس الخطيئة الاصلية. عقيدة ايمانية اعلنها البابا بيوس التاسع عشر في 8 كانون الاول 1854 بالبراءة الرسولية " Ineffabilis Deus" ( الله الفائق الوصف): " ان الكلية الطوبى مريم العذراء، قد عصمها الله من دنس الخطيئة الاصلية، بنعمة منه وامتياز، واستباقاً لاستحقاقات يسوع المسيح مخلص الجنس البشري".

2) انتصار مريم الكامل على الخطيئة الشخصية ونتائجها، طيلة حياتها الارضية. بنعمة خاصة من الله. لم ترتكب اي نوع خطيئة، حسب تعليم المجمع التريدنتي ( 13 كانون الاول 1545 – 4 كانون الاول 1563) في الدورة 6 القانون 223 (التعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكية، 411).

3) أمومتها الالهية وبتوليتها الدائمة: مريم ام الاله Theotokos عقيدة ايمانية اعلنها مجمع افسس ( 431). " ان مريم هي ام الاله، لا بمعنى ان طبيعة الكلمة الالهية والوهيته اخذتا من مريم مبدأ وجودها، بل بمعنى ان جسد ابن الله المكمّل بنفس مفكّرة قد انبثق منها، وبالتالي ان الكلمة الالهي، بفضل اتحاده بالجسد في حشاء مريم بشكل غير قابل للتفسير والفهم، قد ولد منها بالجسد البشري".
ومريم دائمة البتولية: عقيدة اعلنها المجمع اللاتراني ( 5-13 تشرين الاول 1649): ان الله الكلمة، الاقنوم الثاني من الثالوث الاقدس، نزل من السماء وتجسد بالروح القدس من مريم العذراء الدائمة البتولية وصار انساناً...وان مريم هي ام الاله القديسة والدائمة البتولية والبريئة من كل وصمة، وان الاله الكلمة، المولود من الآب قبل كل الدهور، حُبل في حشاها بالروح القدس في الازمنة الاخيرة، بدون زرع رجل، وهي ظلت بعد الحبل " دائمة البتولية". الحبل البتولي تحقيق لوعد الهي اعلنه اشعيا: " العذراء تحبل وتلد ابناً" ( اشعيا 7/14)، وقد كشفه الملاك ليوسف ( متى1/10). ولادة يسوع لم تنتقص من كمال بتولية امه بل كرسّتها.

4) مريم شريكة ابنها في الفداء: شاركته في آلامه، وفي قبوله الآلام والموت فداء عن البشر. بقولها " انا آمة الرب"، اعلنت تكرسيها الكامل لخدمة ابنها الكلمة المتجسد، وانفتاحها الكلي على شخص المسيح وكل عمله وكل رسالته، لذلك، ليست مريم ام يسوع ابن الانسان وحسب، بل " اصبحت شريكة المسيح الفادي السخية بنوع فريد على الاطلاق" ( الدستور العقائدي في الكنيسة عدد61). " في مسيرتها، مسيرة الايمان، حتى الصليب، قدمت مساهمتها كأم في رسالة المخلص التي اتمها بافعاله وآلامه. طيلة هذه المساهمة في عمل ابنها الفادي، انطبعت امومتها بطابع "المحبة المتقدة" نحو كل الذين تتوجه اليهم رسالة المسيح. وبهذه " المحبة المتقدة" الرامية الى نقل الحياة الفائقة الطبيعة الى النفوس، دخلت مريم شخصياً في عمق الوساطة الوحيدة بين الله والناس، التي هي وساطة الانسان يسوع المسيح. ولادتها مملؤة نعمة وحياة فائقة الطبيعة، كانت مؤهلة للتعاون مع ابنها، الوسيط الوحيد لخلاص البشرية" (البابا يوحنا بولس الثانتي، ام الفادي، عدد39).

 

ب‌.          ثمار الانتقال في حياة المؤمنين والكنيسة

 

انتقال القديسة مريم ام الفادي بنفسها وجسدها الى مجد السماء يجعل منها تحفة الفداء وعمل الله الثالوث: انها ابنة الآب وام الابن وعروس الروح. بواسطتها تحقق تصميم الآب الخلاصي، ومنها ظهر للعالم الكلمة المتجسد، ومعها بدأت الشركة بالروح القدس بين الله والانسان. محبة الآب ملأتها، ونعمة الابن خلصتها، وحلول الروح قدّسها.

الانتقال يجعلها نموذجاً لعمل الله الثالوث في كل انسان في دعوته الشاملة الى القداسة،وفي دعوته الخاصة وسط مسيرة شعب الله. ويجعل منها قدوة في اختبارات الانسان مع عمل الله.

انتقالها بالنفس والجسد مشاركة فريدة في قيامة ابنها وصعوده بالمجد نفساً وجسداً الى السماء، واستباق لقيامة القلوب ولمشاركة النفوس المفتداة بدم ابنها الفادي الالهي في مجد السماء، ولقيامة الاجساد في نهاية الازمنة للمشاركة في هذا المجد. الانتقال، في كل ما يحتوي من حقائق، اعلان لكرامة الشخص البشري في نفسه وجدسه، ولمصيره الابدي الذي يتساءل حوله الكثيرون: ماذا بعد الموت؟

بانتقالها الى مجد السماء، ظلت امومتها في الكنيسة وساطة ام بالتشفع ترفعه لاجل ابنائها المسافرين في هذا العالم وسط محنه وتعزيات الله، تضرع من اجلهم وتستنزل عليهم النعم التي تضمن خلاصهم الابدي، فيكتمل نهائياً عقد المختارين جميعاً، ولهذا تدعوها الكنيسة: المحامية، المعينة، المغيثة، الوسيطة  (الدستور العقائدي في الكنيسة،62). ونحن ننشد لها: " وان كان جسمك بعيداً منا، صلواتك هي تصحبنا...".

مريم العذراء، منذ تكوينها بريئة من دنس الخطيئة حتى نياحها محرّرة من فساد الموت والقبر، هي الى جانب ابنها ايقونة الحرية والتحرير بمعناها الروحي وبُعدها الانساني والاجتماعي والسياسي. ان الكنيسة، بالنظر الى مريم امها ومثالها، تفهم فهماً كاملاً معنى رسالتها وابعادها، وتلتزم بها دونما خوف او تردد او مساومة.

   
3 وجوه اعتذت من طعام الكلمة

 

القديس اغسطينوس ( 28 آب). ولد سنة 354 في مدينة تاغستا في افريقيا الشمالية المعروفة بافريقيا الرومانية. والده باتريسيوس ضابط روماني وامه مونيكا ( القديسة) مسيحية. فتربى على يد امه تربية مسيحية، لكنه فقدها كلياً عندما درس الفلسفة والآداب في قرطاجة، وساكن امرأة مدة 15 سنة انجب منها ولداً وهو بعمر 18 سنة، سماه عطالله Adeodatus. انتقل الى روما بعمر 29 سنة ليعلّم في جامعاتها ثم الى ميلانو، وهناك التقى اسقفها القديس امبروسيوس فاجتذبه بعظاته، وهو في صراع كبير بين حقيقة المسيح المعلنة والتيارات الفلسفية التي كانت تجتذبه. اما امه فكانت ترافقه بالدموع والصلاة من اجل ارتداده، فأنبأها القديس امبروسيوس ان "هذه الدموع والصلوات لن تذهب سدى".

وذات يوم فيما كان اغسطينوس يستغرق في قراءة الانجيل شعر بنداء الهي، فعاد الى الله واعتمد بعمر 33 سنة ليلة عيد الفصح. ثم عاد الى افريقيا واسس جماعة رهبانية قائمة على ركيزتين: الصلاة والعلم. رسمه اسقف ايبونا كاهناً وعينه نائباً له، وعند وفاته بعد سنة انتخب اغسطينوس خلفاً له سنة 391 وهو بعمر 37 سنة. خاطب شعبه يومها قائلاً: " انا معكم مسيحي ومن اجلكم اسقف. الاسم الاول هو اسم النعمة، والثاني اسم الخطر. فصلوا لاجلي لكي تتغلب النعمة". ترك لنا اغسطينوس العديد من المؤلفات وشروحات للكتب المقدسة تبلغ 120 كتاباً، ومن اهمها "اعترافاتي" و " مدينة الله". وله الكلمة الشهيرة التي اختزل بها كل حياته: " لقد خلقتنا لك يا رب، ويبقى قلبناً قلقاً ومضطرباً حتى يستقر فيك".

 

يوحنا المعمدان (29آب) شهيد الحقيقة التي رآها ساطعة في شخص يسوع المسيح، كلمة الله المتجسّد، واعلنها وقاوم الانحرافات المناهضة لها لدى الشعب والقادة الدينيين والسلطة السياسية. فأمر هيرودس بقطع رأسه استجابة لحقد هيرويا التي كان يبكته على علاقته بها غير الشرعية(مر6/17-29).

شهد يوحنا للحقيقة واستشهد في سبيلها، وقال: " مَن قبل شهادة المسيح الآتي من فوق، فقد ختم على ان الله حق. لان من ارسله الله، فبكلام الله يتكلم. من يؤمن بالابن، له الحياة الابدية؛ أما من لا يطيع الابن، فلن يرى الحياة، بل ان غضب الله يستقر عليه" (يو3/21-36).

 

القديس سمعان العامودي ( اول ايلول). عاش ناسكاً على العامود. سمعان الكبير تلميذ مار مارون الذي حمل الرسالة المارونية الى جبل لبنان من جهة ارز بشري، فيما ابراهيم القورشي دخله من جهة العاقوره. سمعان الكبير ولد سنة 390 وتعيّد له الكنيسة في 24 ايار. اما سمعان العامودي الصغير، فولد سنة 521. كلاهما عاشا سرّ الكلمة على عامود قائم بين الارض والسماء، بالتأمل في كلام الله والصلاة والتقشف، سمعان الكبير بقي مدة ثلاثين سنة فوق العمود والصغير خمساً واربعين. فكانا بصلاتهما والآيات التي كانت تجري على ايديهما بمثابة وسيط بين الله والناس، على مثال الرب يسوع الوسيط الوحيد. اما شعارهما فكان: " وانا متى رُفعت عن الارض، اجتذبت اليَّ كل احد" ( يو12/32).

 

القديس ماما الشهيد ( 2 ايلول)، ولد في السجن حيث كان والداه اسيرين، وماتت امه اثر مولده، فتربى على يد امرأة  مسيحية على التقوى والاخلاق الحميدة، فتحت قلبه على ابوّة الله وعنايته. لم يتعلم القراءة والكتابة، بل كلّف برعاية الغنم. اجتذبته كلمة الله، لا المكتوبة بالاحرف، بل في الطبيعة والخلق، وفيما كان الغنم يرعى ويغتذي من عشب الحقول، كان ماما في النهار يستغرق متأملاً بعظمة الخالق البادية في الكائنات المخلوقة، وفي الليل يراقب النجوم ويعلم اوقاتها ويناجي مبدعها، ما حمله الى تمجيد الله فيها وفي عمله الوضيع. استشهد بعمر 15 سنة، ايام الاضطرابات الوثنية سنة 275.

اجل، العالم المخلوق طريق لمعرفة الله، الذي هو اصل الخلق وغايته. يقول القديس بولس شاجباً الذين لا يرون وجه الله في مخلوقاته: " معرفة الله ظاهرة فيهم. ان خفيات الله، منذ انشاء العالم، وقوته والوهيته الابدية، تراها مخلوقاته بالعقل، حتى لا يكون لهم عذر، لانهم عرفوا الله، ولم يؤدوا له المجد والشكر كما يجب لله، ولكنهم ضلّوا بافكارهم، وأظلم قلبهم لئلا يفهموا. وحين ادّعوا انهم حكماء، كانوا هم الجهلة" ( روم1/19-22).

وكتب القديس اغسطينوس كلاماً شبيهاً بمضمونه: " إسأل جمال الارض، اسأل جمال البحر، إسأل جمال السماء، إسأل كل المخلوقات، تجيبك كلها: انظر، نحن جميلات. لكن جمالاتها تتغير، اما الذي صنعها فهو  الجميل الذي لا يتغيّر" (التعليم المسيحي  للكنيسة الكاثوليكية،32).

 

الله يكلم الانسان بالخلق المنظور. العالم المادي معروض لعقل الانسان لكي يقرأ فيه علامات الخالق: " ان الاله الحي الذي صنع السماء والارض والبحار وجميع ما فيها، شهد امام الامم لنفسه بما كان يرزقهم من الخير، وينزل عليهم المطر، ويؤتيهم في اوانه الثمر، مالئاً قلوبهم غذاء وفرحاً" ( خطبة بولس الرسول في ليسترا، اعمال 14/15-17). ان النور والليل، الهواء والنار، الماء والارض، الشجرة والثمار، كلها تتكلم عن الله، وترمز في آن الى عظمته وقربه. كل هذه المخلوقات الحيّة يمكن ان تصبح للمتأملين المصغين، تعبيراً عن عمل الله الذي يقدس الناس وعن عمل البشر الذين يؤدون العبادة لله (التعليم المسيحي، 1147-1148).

قبل ان يكشف الله عن ذاته للانسان بكلمات، انكشف له بلغة المخلوقات، التي هي كلمته وحكمته. فنظام الكون وتناغمه وعظمة المخلوقات وجمالها التي يكتشفها الولد ورجل العلم على السواء انما تحمل كلها الى التأمل في خالقها، الذي هو ينبوع كل جمال (الحكمة 13/3و5؛ التعليم المسيحي،2500).

يلتقي في هذه الحقيقة كلٌ من اغسطينوس الفيلسوف في مؤلفاته النفيسة وسمعان العامودي المصلي على رأس عمود، وماما الولد المتأمل في الطبيعة وراء الغنم.

   
4

وجوه عاشت كمال المحبة

القديس شربل اسقف الرها ( 5 ايلول). كاهن وثني في الاساس آمن بالمسيح وأحبه بعد سماعه بشارة الانجيل من فم اسقف الرها برسيما. اعتمد واصبح كاهناً ثم انتخب اسقفاً على الرها في عهد ترايانوس قيصر، في اوائل القرن الثاني. فاضطهده حاكم المدينة وامر بصلبه وتسمير رأسه على الصليب سنة 121. فظل صامداً في ايمانه ومحبته للمسيح. اختاره القديس شربل مخلوف شفيعاً واتخذ اسمه عندما ابرز نذوره الرهبانية.

 

الطوباوية تريزا دي كلكوتّا ( 5 ايلول)، ولدت في مكدونيا سنة 1910 ودخلت جمعية راهبات سيدة لوريت. احبت المسيح والفقراء، والمهمشين وطلبت ان تكون رسولة المحبة في الهند. اتخذت في الرهبانية اسم ماري تريز الطفل يسوع 1928، تشفعاً بالقديسة تريز الطفل يسوع- ليزيو، التي اُعلنت قداستها سنة 1925. اكتشفت في كلكوتا حالات البؤس والفقر، فشعرت بنداء الهي يدعوها لتتقاسم حياة الفقراء والمشردين والمهملين. نالت من الكرسي الرسولي سنة 1948 الاذن بالخروج من جمعية راهبات سيدة لوريت لتعيش مع الفقراء، فلبست ثوباً ابيض وازرق مع صليب صغير على الكتف، كرمز منظور لمحبة المسيح. في 7 تشرين الاول 1950 اسست جمعية مرسلات المحبة وجعلت قاعدتها الاساسية: " مرسلة المحبة تختمر بالحب، وتشهد لحب الله لدى جميع الناس، مسيحيين وغير مسيحيين، مؤمنين وغير مؤمنين، وبخاصة الفقراء بين الفقراء.

عندما كان يسألها احد الفقراء لماذا تعتني به عناية الام الشاملة كل حاجاته، كانت تجيب: " لاني احبك، ولان الله يحبك". وكانت الام تريزا تسمع على شفاه الفقراء كلمة يسوع على الصليب: " انا عطشان". اسست مركزاً لاعالة البؤساء قرب هيكل للإلهة الوثنية خالي، باذن من الادارة المدنية. فامتعض كهنة الاوثان وشكوها الى السلطة المدنية، فارسلت موظفاً للاطلاع. فلما دخل المركز ورأى مئات من المنازعين مصفوفين على الارض والراهبات يعتنين بهم وعلى رأسهم الام تريزا جاثية بقربهم، خرج وقال لكهنة الاوثان: " في هيكل خالي انتم تعبدون إلاهة من حجر، اما في هذه القاعة يوجد إلاهة حية". ماتت الام تريزا في 6 ايلول 1997 واعلنها البابا يوحنا بولس الثاني طوباوية بعد ست سنوات.

 

عيد ميلاد العذراء مريم ( 8 ايلول). انها ام المحبة التي اجبت كلمة الله وقبلتها في قلبها بايمان ورجاء وحب، فاصبح الله الكلمة جنيناً في حشاها. وعلى اقدام الصليب عاشت ملء المحبة واصبحت ام البشرية جمعاء بشخص يوحنا الحبيب: " يا امرأة هذا ابنك، يا يوحنا، هذه امك" ( يو   ).

ولدت مريم، ككل انسان، من والدين تقيين تكرمهما الكنيسة بين القديسين هما يواكيم وحنه، لكن الله عصمها، بسرّ تدبيره من الخطيئة الاصلية الموروثة من ابوينا الاولين. تسمى "سيدة الخلاص" لان فيها ظهرت ثمرة الخلاص قبل حدوثه واضحت مثالاً للمخلصين ورجاء لكل انسان، ولانها شريكة الفداء مع ابنها فادي البشر؛ وتسمى ايضاً "سيدة النجاة" لانها نجت من خطيئة آدم، وصانت نفسها من كل خطيئة فعلية شخصية، ولهذا تسهر على ابنائها المسافرين في بحر هذا العالم، فتنجي اللاجئين الى حمايتها من الهلاك المسبب بالخطيئة.

بتكوينها في حشى امها وبميلادها تُظهر قدسية كل حياة بشرية منذ اللحظة الاولى لتكوينها في حشى الام حتى آخر نسمة من العمر. " فحياة كل انسان مقدسة لانها تفترض منذ البدء عمل الله الخالق، وتظل ابداً في علاقة خاصة مع الله خالقها، وهدفها الوحيد. الله وحده سيد الحياة من بدايتها حتى نهايتها، ولا يحق لأحد، ايا كانت الظروف، ان يدّعي لنفسه حق الاعتداء او القضاء مباشرة على اي كائن بشري بريء"  (انجيل الحياة،53). بامكان كل انسان ان يصلي: " رأتني عيناك جنيناً ( مز 138/16).

 

" المرأة الحامل الملتحفة بالشمس، وتحت قدميها القمر، وعلى رأسها اكليل من 12 كوكباً" ( رؤيا12/1) التي رآها يوحنا " آية ظاهرة من السماء" ترمز، من جهة، الى الكنيسة التي تغوص في التاريخ وتسمو عليه، ومعها يبدأ سرّ ملكوت الله، وترمز من ناحية ثانية الى مريم العذراء، المرأة المجيدة التي تمّ فيها مخطط الله على اكمل وجه. فكما مريم حملت وولدت للعالم " الاله الحق المولود من اله"، كذلك الكنيسة تحمل مخلص العالم، وتهبه ليجدد ميلاد الناس لحياة الله. وكما انتصرت مريم-المرأة على " التنين العظيم  الواقف قبالة المرأة ليبتلع ولدها حين تضعه" ( رؤيا12/3-4)، كذلك الكنيسة تنتصر على الشيطان وجميع قوى الشر التي تعمل في التاريخ معرقلة رسالتها وبناء الملكوت، حامية اولادها والحياة البشرية من كل قوى الشر التي تهددهم (انجيل الحياة،103-104).

 

       الطوباوي فريدريك اوزانام ( 9 ايلول). طوّبه البابا يوحنا بولس الثاني في كاتدرائية سيدة باريس سنة 1998 بمناسبة الايام العالمية للشبيبة في العاصمة الفرنسية، واعلنه نموذجاً للشبان الكاثوليك. طالب جامعي في الفلسفة والحقوق والآداب، علماني، متزوج ورب عائلة. ولد سنة 1813 والده طبيب في مستشفى اوتيل ديو في باريس، وامه من عائلة غنية تتاجر بالحرير. خرج من ازمته الروحية بمساعدة استاذه في الفلسفة وحدد هدفاً في حياته الدفاع عن الدين الكاثوليكي. بعمر 20 سنة اسس مع خمسة رفاق في مركز جريدة " المنبر الكاثوليكي" جمعية المحبة" التي اصبحت فيما بعد " جمعية مار منصور دي بول"، وارادها صيغة جديدة لرسالة العلمانيين. كان يلقي محاضرات في كاتدرائية " نوتردام" في عهد الواعظ الشهير لاكوردير، واصبح الناطق باسم الشباب الكاثوليكي. عاش المحبة الاجتماعية بين الفقراء بالتعاون مع الطلاب الجامعيين. تضم الجمعية التي اسسها 47.600 مركزاً في 132 دولة، وينتسب اليها 880.000 عضو.

  بقلم  بشاره الراعي    مطران جبيل
 
 

 Screen resolution: 1024 x 768 pixels

www.puresoftwarecode.com